خدمة المجتمع

مفهوم العبادة والخدمة


تنفرد الطّبيعة البشريّة بجانبيها الرّوحيّ والجسديّ وكما يسعى الإنسان في حياته لتطوير قدراته المادّيّة والجسديّة عليه أن يسعى جاهدًا لرقيّه الرّوحانيّ الّذي هو الهدف الأساسيّ من جميع الأديان. إحدى الطّرق الّتي تساهم في رقي الرّوح هي تلاوة الدّعاء والمناجاة والتّأمّل في الكلمات الإلهيّة بصورة يوميّة، بالإضافة إلى أداء العبادات الأخرى من صلاة وصوم وغيرها.  إلّا أنّ هذه العبادات لن تكتمل ولن تحقّق أهدافها إن لم تقترن بالعمل إذ ينبغي أن تنعكس في عمل الفرد وسلوكه فيمارس تلك التّعاليم والمفاهيم من خلال القيام بخدمة مجتمعه ومساعدة أقرانه في تطوير قدراتهم الرّوحيّة حتّى يساهموا جنبًا إلى جنب في بناء وازدهار مجتمعهم مادّيًّا وروحانيًّا.


إنّ الصّلاة والدّعاء حديث مباشر بين الإنسان وخالقه ويطهّر الرّوح وينزّهها من علائق النّفس الأمّارة.  ويعتقد البهائيّون أنّ استخدام الكلمات الإلهيّة في الدّعاء له عظيم الأثر على أرواحنا وأنفسنا.  كما أنّ الدّعاء برفقة الآخرين يمثّل جانبًا مهمًّا للحياة الرّوحانيّة للمجتمع، فالحالة التّعبّديّة الجماعيّة لحمد الله وثنائه وطلب العون والمدد من الخالق يعتبر كالمغناطيس لجذب المزيد من العنايات والبركات الإلهيّة في حياة الفرد والمجتمع.  ويشارك البهائيّون مع أصدقائهم من مختلف الأديان واللّغات في تلاوة الكلمات الإلهيّة بشكل مستمرّ حتّى يتّحدون جميعًا على حبّ الله وذكره ومن ثمّ التّأمّل والتّعمّق في اللّئالئ المكنونة في هذه الكلمات النفيسة.  وتتجسّد بهذا صورة أخرى من تأثير الكلمة الإلهيّة القادرة على توطيد أواصر المحبّة والوحدة بين أفراد المجتمع وإيقاظ الإحساس الرّوحانيّ وإيجاد حالة تعبّديّة تحثّ الإنسان على القيام بأعمال خدمة يعمّ خيرها على الجميع.  وهكذا يسعى البهائيّون لخلق نمط من الحياة المجتمعيّة الّتي تساهم في تنمية روح التّعبّد الفرديّ والجماعيّ الّذي يؤدّي بالمآل إلى ازدياد الوعي للمساهمة في رفاه وازدهار الجنس البشريّ.


فالخدمة والعبادة يقعان في صلب نمط حياة المجتمع وهما عنصران متميّزان لا يمكن فصلهما في دفع حياة المجتمع قدمًا، يتفضّل حضرة بهاء الله: "اليوم، الإنسان هو من قام على خدمة جميع مَن على الأرض". (مترجم)


التّربية الرّوحانيّة والأخلاقيّة


يتفضّل حضرة بهاء الله: 
"إنّ مايلزم الأطفال في الدّرجة الأولى والمقام الأوّل، هو تلقينهم كلمة التّوحيد والشّرائع
الإلهيّة، فمن دون ذلك لا تستقرّ خشية الله..."






لقد فرض على الآباء والأمّهات تربية أطفالهم وهم يتحمّلون المسؤوليّة الأولى تجاه تربية أطفالهم وعليهم أن يضعوا ذلك نصب أعينهم دومًا.  إنّ تربية النّاشئة من أسمى الواجبات وأعظم الخدمات الّتي تساهم في تقدّم الحضارة وبناءالمجتمع.  إلّا أنّ تعليم الأطفال ورعاية الشّباب النّاشئ ليست مسؤوليّة الوالدين فقط، فللمجتمع أيضًا دورٌ هامّ عليه القيام به.  يتفضّل حضرة بهاء الله:  "انظر إلى الإنسان فهو بمثابة معدن يحوي أحجارًا كريمة تخرج بالتّربية جواهره إلى عرصة الشّهود وينتفع به العالم الإنسانيّ."(مترجم) 
وعند انتقالهم إلى مرحلة الشّباب النّاشئ تنمو قدراتهم وتتطوّر مع إدراكهم لفهم الحياة بشكل أكبر وأعمق، لذلك ينبغي مساعدتهم على تعزيز قدراتهم الرّوحانيّة والفكريّة، وإعدادهم للمشاركة الفاعلة في شؤون مجتمعاتهم ليصبح لديهم هدف سامٍ، هو تطوّرهم الشّخصيّ إلى جانب مساهتمهم في تطوّر وتنمية المجتمع.


دور الشّباب في المجتمع


تمثّل فترة الشّباب فترة خاصّة في حياة كلّ فرد وتتميّز بقوى واستعدادات فريدة، وفيها يتّخذ العديد من القرارات الّتي ستحدّد مسار حياته فيختار مهنته في الحياة ويكمل تعليمه ويبدأ في كسب رزقه وتأسيس عائلته ويتمّ فيها تبنّي القيم الرّوحانيّة الّتي ستوجّه سلوك الفرد. ويتميّز كلّ جيل من الشّباب بخصائص معيّنة وتتشكّل حياتهم بفعل قوى محدّدة.  وبغضّ النّظر عن ظروفهم الاجتماعيّة، فإنّ الشّباب يتوقون للنّموّ الرّوحانيّ والفكريّ كما يعتمد عليهم تقدّم المجتمع وتطوّره.  لذا على الشّباب أن يعدّوا أنفسهم بشكل لائق للمستقبل باكتساب المعرفة والخبرة وأن يطوّروا أنفسهم ويوجّهوا تلك القوى الرّائعة الّتي يتّسمون بها بشكل سليم ويساهموا في تطوّر المجتمع بروح الخدمة المتفانية.


إنّ الخدمة المتفانية للمجتمع تمكّن الفرد من النّموّ الرّوحانيّ وتطوير القدرة على المساهمة في التّقدّم الاجتماعيّ على حدّ سواء.  "للشّباب أكبر دور في تقدّم المجتمع ورقيه وذلك بالانخراط فعليًّا في الخدمات الاجتماعيّة ومرافقة ودعم أولئك الّذين يصغرونهم سنًّا ... إنّ مرحلة الشّباب هي الّتي يكتسب الشّباب خلالها الخبرة القصوى لمساعدة الجيل الأصغر منهم سنًّا في تطوّرهم الأخلاقيّ والرّوحانيّ، معزّزين لديهم القدرة على الخدمة الجماعيّة والصّداقة الحقيقيّة حيث يمدّون إليهم يد العون لتهذيب أخلاقهم وإعدادهم لتحمّل مسؤوليّة خير مجتمعاتهم ورفاهها. "


Share by: